05/02/2009
المسيحي لا يَخرُج عن أمَّته
1- نظرة خاطئة إلى الأميركيِّين:
تَعليقاً على مقتل خمس مئة مشرقي مسيحي(1) في العراق منذ الدُّخول الأميركي في العام 2003، نسأل: كم قَتَلَ الأميركيّون من هؤلاء المشرقيّين: مئة، مئتان، ثلاث مئة، عشرة، خمسة، واحد؟!!
ولتنوير ذهن بعض المسيحيّين اللبنانيّين الذين استنكروا و استعظموا واستفظعوا الدُّخول الأميركي إلى العراق، نقول: اسألوا المسيحيّين المشرقيين، كم قتل الأميركيون منهم؟ وأعيدوا السؤال مراراً وتكراراً لتتأكّدوا من الجواب.
نقول: كفى ديماغوجيَّة!! وكفى كلاماً ببَّغائيًّا!! إنّ المقولة الغريبة التي يعتنقُها بعض السياسيِّين المسيحيِّين في لبنان وبلدان المشرق في تحميل مسؤولية ما يجري إلى الأميركيين والى الغرب، تُعتَبَر أقوال سطحيَّة لا تقنع ولداً، ولا تشفي غليل باحثٍ، ولا تُساوِر(2) شخصاً يَعْمَلُ العقل في تحليله.
2- حرّيَّات الشرق وحريَّات الغرب:
إن الغرب الذي قام منذ زمن بعملية نقد ذاتي، ويحاول دوماً أن يطبِّق مبادئ حقوق الإنسان في تصرُّفاته، ويَسمَح للمعارضات العديدة بالتظاهر والتكلُّم والاستنكار والكِتابة والظُّهور على وسائل الإعلام كافَّة؛ إن هذا الغرب قد تخطّي أشواطاً المظالم اليوميَّة الموجودة في الشرق حيث لا يمكن التَظاهر عادةً إلاّ مع النِّظام. ولا يمكن المعارضة، بل يُطْلَب دوماً تأييد كامل لأشخاص الأنظمة والمسؤولين. وحيث لا رقابة فعليَّة على تصرّف الحكَّام، وحيث تَدْخُلُ دائماً المحسوبيَّات، وحيث يُضغَط على وسائل الإعلام لتلتزم خط المسؤولين، وتُؤَيِّد أفكارهم، وتصفِّق لأقوالِهم، وتَمْدَح أعمالِهم، وإنْ كانت غير مقتنعة بها.
3- العُمْقُ المشرقيُّ:
إنّ ما أصاب المسيحيُّون في العراق، لم يكن بسبب الأميركيِّين. فإن قال البعض: إنّ ما جرى لهم كان بسبب ردّة فعل ضدّ الوجود الأميركي لأنّ المناوئين رَبَطوا بين ديانة المشرقيِّين وبين ديانة الأميركيِّين، فحَمَّلوهم المسؤوليَّة. نقول: هلاّ... هلاّ... هل تريدون من المشرقيين أن يُبَدِّلوا ديانتهم ويغيِّروا مُعْتَقَدَهم كي يَرضى الغاضبون؟!!
إنَّ هؤلاء الشرقيِّين هُمْ في أرضهم التاريخيَّة، ولم يأتوا من مكان آخر، فلا هُمْ وصلوا نتيجة غزوةٍ تاريخيةٍ، ولا هُمْ حَكَموا بالقوّة بلدان المشرق، ولا هم بَدَّلوا من لغاتها التاريخيَّة، ولا هُمْ غيَّروا من حضاراتها، وتُراثاتها، وتقاليدها، وعاداتها.
فهل عليهم أن يعتذروا لكونهم أصحاب الأرض، وأصحاب الشرعيَّة التاريخيَّة؟!! هل عليهم أن يعتذروا لأنهم أبقوا على لغاتهم التاريخيَّة رغم الضُّغوط الإدارية والسُّلطويَّة واليوميَّة لإبدالها بلغة أخرى!!!
4- الرَّابط مع الأُمَّة لا يَنْحَلُّ:
هل يُطْلَبُ من الشرقيِِّين أن يَعْتَبٍرُوا الجِزْءَ الغربي من أُمّتهم جزءاً غريباً، مناوئاً، ظالماً، وبينهم وبين أمّتهم الكثير من المبادلات، و المودّات، والإخاء، والقيم المشتركة، والمتحسِّسات الذاتيَّة، والتقارب الفكري، والمعاناة الواحدة!!
هل يُطْلَب من المشرقيِّين أن يَنْبذوا ثقافات، واكتشافات، وتصوُّرات، وتمنّيات، وعُلوماً نمت في إطار شعوب أمّتهم ؟! إنَّ المسيحي لا يَخرج عن أُمَّته، ولا يَخْرُج عن محبَّتها، ولا عن اعتبارها، ولا عن الاعتزاز بها وبتقدُّمِها، وبكلِّ ما أَنجزت من أعمال حميدة، وأفعال صحيحة، وأهداف قَويمة.
إنّ رابط المسيحي بأُمَّته لا يمكن أن يُحَلّ. فإنْ مُزِّقَ، فكأنّ المسيحي خَرَجَ عن أُمَّته، وعن تاريخه، وعن إحساسه، وكأنَّهُ أصبح مسيحيّاً شَكْلاً، لا عاطفةً، ولا عُمْقاً، ولا تاريخاً، ولا إحساسًا، ولا لَوْلَباً، ولا نَفْسًا، بل هو مَظْهَرٌ يُسْتَغَلُّ لغَيْرِ أُمَّته، ولغيرِ أهدافِ أُمَّتِهِ، ومن أجْلِ سياساتٍ تُنَاوئ ضُمنًا مجموعته القوميَّة والإقليميَّة والعالميَّة.
.............
(1) النَّهار في 23/01/2009، ص 10،" أساقفة كلدان يطالبون بسينودس...".
(2) لا تُسَاوِرُ: لا تُحِيْطُ.