mardi, décembre 01, 2009

إِلْغَاءُ الطائِفِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ

٢٥\١١\٢٠٠٩

إِلْغَاءُ الطائِفِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ

١-الموضوعُ الطائِفِيُّ:

إِنَّ إلغاءَ الطائفِيّة السياسيّة يَسْتَنِدُ إِلى فلسفة الأنوار التي تهدفُ إِلى الفصل بين المؤسَّسَات المدنيّة وبين المؤسَّسَات الكنسيَّة. إلاَّ أَنَّ فلسفة الأنوار لا تَنْتَبِهُ إِلى أنَّ الموضوع الطَّائفي يتعدَّى حجم المؤسَّسات الكنسيَّة ويَدْخُلُ في إِطار المجتمع ككلّ. فهو بذلك يَتَدَاخَلُ(١) في موضوعِ المجتمعِ وَيُشَكِّلُ جزءًا لا يتجزَّأُ مِنْهُ.

فالموضوع الطائفي يَصْبَح بُنْيَوِيًّا، وهو يَتَرَكَّزُ في عُمْقِ الاجتماع، ولا يَخْرُج منه؛ بل هو ثَاْبِتَةٌ عُضْوِيَّة تَتَأَقْلَمُ مع المجتمع، وَتَتَحَوَّلُ معه في مجرياته وأُموره.

٢. الحاسِّيَّةُ الطائفِيَّةُ:

لذا، فمحاولةُ إلغاءِ الطائفيَّة السياسيَّة ليست إِلاَّ محاولة فوقيَّة لا تَشْمُلُ العُمْقَ العُضْوِيَّ للمجتمع، بل تكون ظاهرة خارجيَّة رسميَّة لا تُبَدِّلُ من مَسار المجتمع، ولا من منهجيَّتِهِ الدَّاخليَّة.

فإذا أُخْرِجَ التَّمثيلُ الطائِفِيُّ من الواقِع السياسيِّ، فإنَّ الحاسِّيَّةُ الطائِفِيَّةُ الاجتماعِيَّةُ تَبْقَى موجودة. وفي وَقْتِ الانتخابات تتحرَّك هذه الحاسِّيَّةُ لِتُفَضِّلَ أَبْنَاءَ مجتمعها الطائِفِيِّ على غيره من المجتمعات. فنكون بإِلغاءِ الطائفيَّة السياسيَّة نَتَّجِهُ إلى إِعطاءِ الطوائف الأكثر عددًا أكثريَّة دائمة في التَّمثيل، والطوائف الأقلّ عددًا، أقليَّة دائمة.

٣-المفهوم التقليديُّ للطائفيَّة:

عندما عُدِّلَتِ المادة الخامسة والتسعون من الدستور اللبناني في عام ١٩٩٠، كان ذللك في إِطار المفهوم التقليديِّ التَّاريخيّللطَّائفيَّة السِّياسِيَّة كحركة فَوْقِيَّة في المجتمع، إِلاَّ أَنَّهُ تَبَيَّنَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وخاصَّةً بعد العام ١٩٩٠، في المجتمع الدَّاخلي والإِقليمي والدَّوْلي أَنَّ التَّحَسُّسات الطائِفِيَّة هي جَوْهَرِيَّة وليس عَرَضِيَّة.

٤-جانبا إِلْغاءِ الطائفيَّة السِّياسيَّة:

إِنَّ محاولات البعض السَّعي إِلى إِلْغاءِ الطائفيَّة السِّياسيَّة تَنْدَرِجُ في مَدْخَلَين:

أ-المدخَلُ الأَوَّلُ ضمن المفهوم التَّقليديّ لفصل المؤَسَّسات الكنسيَّة عن مُؤَسَّسات الدَّوْلَة، وهو مفهوم يَنْدَاحُ(٢) يَوْمِيًّا في كُلِّ المجتمعات المُؤَلَّفَة من طَوَائِفَ عديدة، أَوْ في المجتمعات التي بَدَأَتْ تَتَنَوَّعُ طائِفِيًّا.

ب-المَدْخَلُ الثاني عبر أصحاب النَّوايا المُبَطَّنَة الذين يَعْلَمُون أنَّه لا يمكن الاِنْفِكَاك عن الحِسِّ الطَّائِفِيِّ، لَكِنَّهُمْ يُريدونَ الغَلَبة الضُمْنِيَّة لطوائفهم تحت ستار فصل الدِّيْن عن الدولة. لذا نقول، إِنَّ متابعة مشروع الانْمِحَاءِ الطَّائِفيِّ التَّمثيلِيِّ سَتُؤَدِّي إلى سيطرة طَوَائِفَ مُتَكَاثِفَة، كما حَصَل وَيَحْصُلُ في العديد من البلدان.

٥-التَّمْثِيْلُ الاِجْتِمَاعِيُّ:

أَمَّا القولُ بأن إلْغَاْءَ الطَّائفِيَّة السِّياسِيَّة تطبيقٌ لِنَصٍّ دَسْتُوْرِيٍّ، فَيَجِبُ العَوْدَة في الأَصْلِ إلى إِرادَةِ المشترع الذي اعتَقَدَ فيما مضى بإمكانِيَّةِ الفَصْلِ بين الموضوع الطائِفِيِّ والموضوعِ الاِجْتِمَاعِيِّ. وإِذْ تَبَيَّنَ في العُلوم الاجتِمَاعِيَّةِ والنَّفسِيَّةِ أَنَّ بَعْضَ الأَفكار المُسْبَقَة، وبَعْضَ النَّظَرِيَّات في الموضوع الطَّائِفِيِّ-الدَّوْلَتِيِّ كانَتْ خاطِئَة ولم تُفَسِّرْ البُعْدَ العُمْقِيَّ الفِعْلِيَّ للمنظومة الدِّيْنِيَّةِ والدَّوْلَتِيَّةِ، فَيَجِبُ أَخذ هذا الأمر في عين الاعتبار وتعديل الدُّسْتُور في اتّجاه المفاهِيْمِ التي تُعْطي الطوائِفَ حَقَّها في التَّمثيلِ الاجتماعِيِّ، وبخاصَّةٍ أَنَّهُ لا يمكن الخُرُوْج من العُمْقِ الطَّائِفِيِّ الانتظامي. فَهُوَ بُنْيَةٌ داخِلِيَّةٌ تَتَحَرَّكُ وَتَتَقَوْلَبُ وتَنْحَدِثُ(٣)، وَتَتَطَوَّرُ ضِمْنَ مُعْطَيَاْتٍ تَتَدَاخَلُ فيها المُعَمَّقَاتُ(٤) التَّحَسُّسِيَّةُ، والمُعَمَّقَاتُ المُؤَسَّسَاْتِيَّةُ(٥).

* * *

حاشية:

(١) .Il s'imbrique

(٢) يَنْدَاحُ: يَنْبَسِطُ إِلى أَسْفَل، بمعنى يَتَدَاعَى، أي يَسْقُطُ.

(٣) اِنْحَدَثَ: أَصْبَحَ حَدِيْثًا، أي تَحَوَّلَ وانْتَظَمَ في بُنْيَة تحديثيَّة.

(٤) المُعَمَّقَاْت: الحالات العُمْقِيَّة المُتَضَافِرَة.

(٥) أ- المُؤَسَّسَاتِيَّة: عبارة استعملناها في السَّبعينات للدَّلالة على نسبة المؤسَّسات، أو حركة تناسُب

المؤسسات.

ب-المُعَمَّقَات المؤسَّساتِيَّة: الحركة العميقة للمؤسَّسات في اتِّجاه التَّطوير والحداثة.

* * *

١-النظريَّة التَّمازُجِيَّة: مَزْجُ المؤسَّسات الكنسيَّة بالدَّولة.

٢-النظريَّة الانفصاليَّة: فَصْلُ الرُّوح الدِّينِيَّةِ عن كيان الدَّولة.

٣-النظريَّة التكامُلِيَّة(١): النَّفَسُ الدِّيْنِيُّ في روحِ الدَّولة.

-------------

(ا) الموقِفُ التجَدُّدِيُّ.

* * *

ا-الطائفِيَّةُ جِزْءٌ مِنَ النُّفوس تشربُها ضمن الاجتماع.

٢-النَّظرةُ إِلى الطائفِيَّة كحَالَةٍ فَوْقِيَّةٍ مَرَّ عليها الزَّمَنُ وَتَخَطَّتُهَا النَّظَرِيَّة التَّجَدُّدِيَّة.

٣-الأَيْدِيُوْلُوْجِيَا المسيحيَّة: مَنْظُوْمَةٌ فِكْرِيَّةٌ سِيَاْسِيَّة للدِّفَاعِ عن الوُجُوْدِ والإِتِّسَاعِ المسيحيِّ في لبنان والشَّرق والعالم.

٤-الطَّبِيْعَةُ الأُنطولوجِيَّةُ هي الطبيعةُ التكوينِيَّةُ للأَشْيَاءِ.

* * *