dimanche, mai 06, 2007

المؤمنون والمتحسِّسون

المؤمنون والمتحسِّسون

25/3/2007
1- الصفاتيّون:
توجد جماعة من الناس يصعب الآن تصنيفها لأنها لا تنتمي بكل مكوّناتها إلى الفعل الإيماني، ولا تنتمي أيضاً إلى خارج الاهتمام بالموضوع الديني. فتلك الجماعة تشعر بأنّها قريبة من هموم الدينيين، ومن أمانيهم وتمنيّاتهم، ومن نظرتهم إلى الأمور، ومن مسلكهم تجاه الحوادث والملمّات.
إلاّ أن ما يفرّقهم عن "الإيمانيين التقليديين" هو تساؤلهم عن "الصورة الإطلاقية" للماوراء، وعن ما تَرمُزُ إليه، ولماذا توجد عدّة صور إطلاقيّة، وما هي علاقة الصور الإطلاقية بالحدوث الكوني والوجود الكوني ؟!

2- الحركة الرافضة "للإطلاقيّة الصوريّة":
وفي هذا الخضمّ من التساؤلات الذي عاصر "الإطلاقات الصورية"، برزت "الحركة الرافضة للإطلاقية الصورية" والمكتفية بالمحسوس والظاهر لعدم تمكّنها من إيجاد "جدليّة كونية" تفسّر بواسطتها "الوجود "الكوني التكويني"، وأسباب مساره وتجلّيه.
وقد اتخذت الفئة الرافضة تحليل الماوراء موقفاً مواجهاً "للماوراء الصوري"، وانتقدته لكونه لا يستند إلى تسلسل منطقي وعلمي. وفي هذه المواجهة بين رافضي الماوراء لعدم علميته وبين المستندين "للتصوّر الإطلاقي" لإيمانهم به، يُطرح موقف بين بين، وهو عدم رفض "الكينونة الظاهرية" للبعد الماورائي، على أن يترك الأمر في حسم حقيقة الصورة أو الصور الإطلاقية إلى تقدّم واضح في "البعد "الفلسفي العلمي"، أو "الفلسفي الأنطولوجي"، أو "العلمي الكينوني".


3- المتحسِّس:
فالمتحسِّس، وإن وضع الأسئلة بخصوص صحّة "الأفعول الصوري"، إلاّ أنّه يرى نفسه متأثراً بما يصيب المؤمنين بفعليّة الأفعول الصوري، ومتعاطفاً معهم في أحاسيسهم، وفي ردّات فعلهم. وكثيراً ما يتألّم "أصحاب العزل عن الماوراء" لكونهم يشعرون في ذاتهم، بردّات فعل طائفية، فيحسبونها مساراً إلى الوراء، ويجهدون في محاربتها؛ فتارة يتمكّنون، وطوراً يفشلون. وعند ذاك يَعتبرون أن طراوة عودهم في "العلميّة"1 لم تمكّنهم من تخطّي النفس الدينية ومن التأثر "بالعادات الدينية".
إن فشل "الأنظمة الوضعية" في إخراج "الحس الديني" عن نفسية الجماهير يعود إلى "التركيبة الاجتماعية" الطالبة "نشوراً2 ما ورائية" "تُبَرْزِقُ"3 دوماً في "النفس العامة والخاصة"، وتحمل الاطمئنان والراحة. فطالما أن النظرية العلمية لم تتمكن من حلّ لغز القوانين الطبيعية والتكوينية، فالذهن بحاجة دائمة إلى "حاضن فكري" يسوِّر به المفاهيم، ويجيبه عن الأسئلة المتراكمة في تفكيره، وفي تساؤلاته اليومية.

4- الذّاهِنُ:
الذّاهِنُ4 ينقسم الى قسمين:
القسم الأول يستند الى تصوّر ما ورائي إطلاقي يجيب عنه في مواضيع الأسئلة اللانهائية، وفي مواضيع تداخل هذه الاسئلة على مستوى النهائي اليومي.
والقسم الثاني يرفض أي إجابة تخرج عن نِسَب المنطق العلمي، ويؤجّل البحث في أي سؤال يخرج عن المدى الحالي للأفهوم العلمي.
ولكن ما لا يفطن إليه صاحب "الذهن العلمي الوضعي" هو أن التكوينيّة تندفع من اللانهائي، مما يؤثر أيضاً على النهائي في "تشكيله النسبي"، أو في "تشكيله المطلق"، أي أن النهائي، وإن جَمَّد ذهنه في موضوع "الإتساع القصوي"، فإن "مفاعيل الكينونة المطلَقة" تسري عليه في الحاضر، ولا تستثنيه من أُفعولها. وهذا الاستثناء يظهر في التأثير الدائم لكل نوع من "اللاكينوني" على الفاهمة وعلى الحس الشخصي والجماعي.
وحصول التأثير النفسي والجماعي من جرّاء "التصوّر الإطلاقي الديني" هو حالة طبيعية ومنطقيّة من جرّاء تأثير الكينوني على الفاهمة، وإسقاط هذا الكينوني على كل المشاعر الشخصية والجماعية. "فالإسقاط الكينوني"5 يشمل كل حالات الوعي، ويشمل أيضاً "ترسّبات الوعي"، ومنها "المعطي التاريخي المتداوَل والمتغاير".

26/3/2007
5- تأثير "اللولب الديني":
من هنا، نستنتج أن الشخص المرتبط ظرفياً أو تاريخياً بدين معيّن "يقع" تحت تأثير "لولبه النفسي". وهذا اللولب شرط أساسي، ولا خروج منه إلاّ باعتماد دين آخر. أما الذين يعتقدون أنهم قد خرجوا عن نطاق التأثير الديني، فهم في انتقائهم مشاريع سياسيّة معيّنة، أو في تحرّكهم الاجتماعي العام، يخدمون دون وعي، أو "بنسبة معيّنة من الوعي"، القيم التاريخية أو التصوّرات الاجتماعية لدينهم.

6- تحالف المؤمنين والمتحسّسين:
إذاً، على الفئتين الدينيّتين: المؤمنون والمتحسّسون، أن يعوا أنهم في مركب واحد، وفي مشروع اجتماعي-نفسي واحد. فليس على المؤمنين أن يعطوا دروساً في القيم للمتحسّسين، وأن يتكلّموا من فوق وكأنهم وحدهم يحضنون "المعنى الاجتماعي الديني". وعليهم أن يفهموا أن "اللولب الديني" هو على مستوى مفرازين: مستوى الموافقة على التصوّر الديني، ومستوى التحسّس بتأثير الدين "في العامل التاريخي-النفسي-الاجتماعي".
إن متابعة القيم الدينية تَصلح على المستوى الفردي من أجل تكملة "المشروع "النفسي-الديني"، إلاّ أنّ الإسقاط الديني وحاليّته لا يمكن أن يكتملا دون الوعي الكامل لضرورة الدفاع عن "المشروع "الاجتماعي-النفسي" المتسلسل تاريخياً.

إن القفز فوق موجبات التحرّك العام من أجل الاكتفاء "بخطة "المتعالي الديني"6 سيؤدي إلى ضعف على "المستوى "الاجتماعي النضالي"؛ وقد يؤدي إلى "تفتيت الجماعة الدينية" و"انمحائها". ونكون قد خسرنا عالمين: "عالم "التصوّر القيمي للديانة"، و"العالم "الاجتماعي العملي" المتشكّل من أبناء هذه الديانة.
إن الإفراط في الاتكال على "المتعاليات" قد يضعف "الوضع الديني العملي"، ومنه ”الوضع الاجتماعي النفسي"، والحقّ في المطالبة بحقوق عملية تنبع من "الإفراز الديني"، ومن حقّ الجماعات في عيش إحساسها وتصوّراتها.
لقد أراد مجمع فاتيكان الثاني تكريس الاتجاه السياسي في فلسفة الأنوار المطالب بفصل الدين عن الدولة. إلا أنه تبيّن، ويتبيّن كلّ يوم أكثر من يوم، أنّ "الشخص الفردي"7 لا يمكن أن يخرج عن "تحتيّة نفسيّة دينية" هي "اللولب الأساسي" لتصوّراته؛ ومن هذه التصوّرات توجهه الباطني8 في الخيارات السياسية العامة، وفي نظرته الى أمور التاريخ، وفي أساسيّات ثقافته، وفي تطلّعه الى مسارات الدول وانبنائها9.


الحواشي
1- العلميّة: نسبة الى العلم؛ حرف "الياء" يعني الانتهاء، وحرف "التاء"، التثبيت.
2- نُشور: "اوراق الشجر تورق وتمتدّ"، واستتباعاً الهَيُولى الفكرية تنتشر وتمتدّ.
3- تبرزق: تظهر ضمن ضفّتين هما الأحلوب اللاّوي.
4- الذاهن: صاحِب الذُّهن.
5- لائيّة الكينوني هي نفرازه المطلق.
6- المتعالي الديني: Le transcendant religieux
7- الشخص الفردي: La personne unitaire
8- الباطني: لا نعني المعنى السلبي.
9- الإنبناء: البناء من الداخل.